الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } * { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

قال الطبراني حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا يحيى الحماني، حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال أتت قريش اليهود، فقالوا بم جاءكم موسى؟ قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى؟ قالوا كان يبرىء الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً، فدعا ربه، فنزلت هذه الآية { إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَـٰتٍ لأُِوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } فليتفكروا فيها، وهذا مشكل فإن هذه الآية مدنية، وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة، والله أعلم، ومعنى الآية أن الله تعالى يقول { إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها و كثافتها واتضاعها، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات، وثوابت وبحار، وجبال وقفار وأشجار ونبات، وزروع وثمار، وحيوان ومعادن، ومنافع مختلفة الألوان والروائح والطعوم والخواص، { وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيراً، ويقصر الذي كان طويلاً، وكل ذلك تقدير العزيز العليم، ولهذا قال تعالى { لأَيَـٰتٍ لأُِوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } أي العقول التامة الذكية، التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها، وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهموَكَأَيِّن مِّن ءَايَةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } يوسف 105 ـ 106 ثم وصف تعالى أولي الألباب، فقال { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ }. كما ثبت في صحيح البخاري عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك " أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم، { وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه وحكمته واختياره ورحمته. وقال الشيخ أبو سليمان الداراني إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء، إلا رأيت لله علي فيه نعمة، ولي فيه عبرة، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل والاعتبار. وعن الحسن البصري أنه قال تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وقال الفضيل قال الحسن الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك. وقال سفيان بن عيينة الفكرة نور يدخل قلبك، وربما تمثل بهذا البيت
إذا المرءُ كانَتْ له فِكْرَةٌ ففي كل شيءٍ لهُ عِبْرَةٌ   
وعن عيسى عليه السلام أنه قال طوبى لمن كان قيله تذكراً، وصمته تفكراً، ونظره عبراً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7