الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

هذا توبيخ من الله، وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن ينوهوا بذكره في الناس، ليكونوا على أهبة من أمره، فإذا أرسله الله تابعوه، فكتموا ذلك، وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف، والحظ الدنيوي السخيف، فبئست الصفقة صفقتهم، وبئست البيعة بيعتهم، وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم، ويسلك بهم مسالكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئاً، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " وقوله تعالى { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } ، يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا، كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم " من ادعى دعوة كاذبة ليتكثر بها، لم يزده الله إلا قلة " وفي الصحيح أيضاً " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " ، وقال الإمام أحمد حدثنا حجاج عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان قال اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس، فقل لئن كان كل امرىء منا فرح بما أتى، وأحب أن يحمد بما لم يفعل، معذباً، لنعذبن أجمعين، فقال ابن عباس وما لكم وهذه؟ إنما نزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } الآية. وقال ابن عباس سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا، قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه. واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ما سألهم عنه، وهكذا رواه البخاري في التفسير، ومسلم والترمذي والنسائي في تفسيريهما، وابن أبي حاتم، وابن جرير، والحاكم في مستدركه، وابن مردويه، كلهم من حديث عبد الملك بن جريج بنحوه، ورواه البخاري أيضاً من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة، عن علقمة بن وقاص أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس، فذكره. وقال البخاري حدثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأنا محمد بن جعفر، حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو، تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو، اعتذروا إليه، وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } الآية، وكذا رواه مسلم من حديث ابن أبي مريم بنحوه.

السابقالتالي
2 3