الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

يقول تعالى ممتناً على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة وهو النعاس الذي غشيهم، وهم مُسْتَلئمو السلاح في حال همهم وغمهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان، كما قال تعالى في سورة الأنفال في قصة بدر { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } الآية. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو نعيم ووكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن عبد الله بن مسعود، قال النعاس في القتال من الله، وفي الصلاة من الشيطان. وقال البخاري وقال لي خليفة حدثنا يزيد ابن زريع، حدثنا سعيد عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة، قال كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مراراً، يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه. وهكذا رواه في المغازي معلقاً، ورواه في كتاب التفسير مسنداً عن شيبان، عن قتادة، عن أنس، عن أبي طلحة، قال غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه. وقد رواه الترمذي والنسائي والحاكم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة، قال رفعت رأسي يوم أحد، وجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت حجفته من النعاس، لفظ الترمذي، وقال حسن صحيح. ورواه النسائي أيضاً، عن محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث، عن أبي قتيبة، عن ابن أبي عدي، كلاهما عن حميد، عن أنس قال قال أبو طلحة كنت فيمن ألقي عليه النعاس، الحديث. وهكذا رُوِي عن الزبير وعبد الرحمن بن عوف. وقال البيهقي حدثنا أبوعبد الله الحافظ، أخبرني أبو الحسين محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا شيبان عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك أن أبا طلحة قال غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه. قال والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إِلا أنفسهم أجبن قوم وأرعنه وأخذله للحق { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } أي إِنما هم كَذَبة، أهل شك وريب في الله عز وجل. هكذا رواه بهذه الزيادة، وكأنها من كلام قتادة رحمه الله، وهو كما قال فإن الله عز وجل يقول { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } يعني أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل الصادق، وهم الجازمون بأن الله عز وجل سينصر رسوله، وينجز له مأموله، ولهذا قال { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } يعني لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } كما قال في الآية الأخرى

السابقالتالي
2