الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }

قال قتادة وغير واحد هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولم يبق معهم مجادلة، وإنما هو الإسلام أو الجزية أو السيف. وقال آخرون بل هي باقية محكمة لمن أراد الاستبصار منهم في الدين، فيجادل بالتي هي أحسن ليكون أنجع فيه، كما قال تعالىٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } النحل 125 الآية، وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعونفَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } طه 44 وهذا القول اختاره ابن جرير، وحكاه عن ابن زيد. وقوله تعالى { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } أي حادوا عن وجه الحق، وعموا عن واضح المحجة، وعاندوا وكابروا، فحينئذ ينتقل من الجدال إلى الجلاد ويقاتلون بما يمنعهم ويردعهم، قال الله عز وجل { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } ــــ إلى قوله ــــ { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } قال جابر أمرنا من خالف كتاب الله أن نضربه بالسيف، قال مجاهد { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } يعني أهل الحرب، ومن امتنع منهم من أداء الجزية. وقوله تعالى { وَقُولُوۤاْ ءَامَنَّا بِٱلَّذِىۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } يعني إذا أخبروا بما لا نعلم صدقه ولا كذبه، فهذا لا نقدم على تكذيبه لأنه قد يكون حقاً، ولا تصديقه فلعله أن يكون باطلاً، ولكن نؤمن به إيماناً مجملاً معلقاً على شرط وهو أن يكون منزلاً لا مبدلاً ولا مؤولاً. قال البخاري رحمه الله حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون " وهذا الحديث تفرد به البخاري. وقال الإمام أحمد حدثنا عثمان بن عمرو، أخبرنا يونس عن الزهري، أخبرني ابن أبي نملة أن أبا نملة الأنصاري أخبره أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود، فقال يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الله أعلم " قال اليهودي أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقاً لم تكذبوهم، وإن كان باطلاً لم تصدقوهم " قلت وأبو نملة هذا هو عمارة. وقيل عمار، وقيل عمرو بن معاذ بن زرارة الأنصاري رضي الله عنه، ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان، لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل، وما أقل الصدق فيه، ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحاً.

السابقالتالي
2