الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

يقول تعالى مخبراً عن إبراهيم أنه آمن له لوط، يقال إنه ابن أخي إبراهيم، يقولون هو لوط بن هاران بن آزر، يعني ولم يؤمن به من قومه سواه، وسارة امرأة إبراهيم الخليل، لكن يقال كيف الجمع بين هذه الآية، وبين الحديث الوارد في الصحيح أن إبراهيم حين مر على ذلك الجبار، فسأل إبراهيم عن سارة ما هي منه؟ فقال أختي، ثم جاء إليها، فقال لها إني قد قلت له إنك أختي، فلا تكذبيني فإنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، فأنت أختي في الدين. وكأن المراد من هذا ــــ والله أعلم ــــ أنه ليس على وجه الأرض زوجان على الإسلام غيري وغيرك، فإن لوطاً عليه السلام آمن به من قومه، وهاجر معه إلى بلاد الشام، ثم أرسل في حياة الخليل إلى أهل سدوم، وأقام بها، وكان من أمرهم ما تقدم وما سيأتي. وقوله تعالى { وَقَالَ إِنِّى مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } يحتمل عود الضمير في قوله { لَهُ لُوطٌ وَقَالَ } على لوط لأنه هو أقرب المذكورين، ويحتمل عوده إلى إبراهيم، قال ابن عباس والضحاك وهو المكنى عنه بقوله { فَـآمَنَ لَهُ لُوطٌ } أي من قومه، ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم ابتغاء إظهار الدين، والتمكن من ذلك، ولهذا قال { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي له العزة ولرسوله وللمؤمنين به، الحكيم في أقواله وأفعاله وأحكامه القدرية والشرعية. وقال قتادة هاجروا جميعاً من كوثى، وهي من سواد الكوفة، إلى الشام. قال وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال " إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم أرضهم، وتقذرهم روح الله عز وجل، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل ما سقط منهم ". وقد أسند الإمام أحمد هذا الحديث، فرواه مطولاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمرعن قتادة عن شهر بن حوشب قال لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية، قدمت الشام، فأخبرت بمقام يقومه نوف البكالي، فجئته إذ جاء رجل، فانتبذ الناس، وعليه خميصة، فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص، فلما رآه نوف، أمسك عن الحديث، فقال عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إنها ستكون هجرة بعد هجرة، فينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، فتلفظهم أرضهم، تقذرهم نفس الرحمن، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، فتبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف منهم "

السابقالتالي
2 3