الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ }

يخبر تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن، كما قال تعالىٱلَّذِينَ آتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } البقرة 121 وقال تعالىوَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَـٰشِعِينَ للَّهِ } آل عمران 199 وقال تعالىإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } الإسراء 107 ــــ 108 وقال تعالىوَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ } ــــ إلى قوله ــــفَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } المائدة 82 ــــ 83. قال سعيد بن جبير نزلت في سبعين من القسيسين بعثهم النجاشي، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهميسۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } يــس 1 ــــ 2 حتى ختمها، فجعلوا يبكون، وأسلموا، ونزلت فيهم هذه الآية الأخرى { ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } يعني من قبل هذا القرآن كنا مسلمين، أي موحدين مخلصين لله مستجيبين له. قال الله تعالى { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ } أي هؤلاء المتصفون بهذه الصفة، الذين آمنوا بالكتاب الأول ثم بالثاني، يؤتون أجرهم مرتين بإيمانهم بالرسول الأول، ثم بالثاني، ولهذا قال { بِمَا صَبَرُواْ } أي على اتباع الحق، فإن تجشم مثل هذا شديد على النفوس، وقد ورد في الصحيح من حديث عامر الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمة، فأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها " وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، حدثنا ابن لهيعة عن سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم بن أبي أمامة قال إني لَتَحْتَ راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال قولاً حسناً جميلاً، وقال فيما قال " من أسلم من أهل الكتابين، فله أجره مرتين، وله ما لنا، وعليه وما علينا، ومن أسلم من المشركين، فله أجره، وله ما لنا، وعليه ما علينا ". وقوله تعالى { وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي لا يقابلون السيىء بمثله، ولكن يعفون ويصفحون، { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } أي ومن الذي رزقهم من الحلال ينفقون على خلق الله في النفقات الواجبة لأهليهم وأقاربهم، والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات وصدقات النفل والقربات. وقوله تعالى { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } أي لا يخالطون أهله، ولا يعاشرونهم، بل كما قال تعالى

السابقالتالي
2