الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

لما رجعت المرأتان سريعاً بالغنم إلى أبيهما، أنكر حالهما بسبب مجيئهما سريعاً، فسألهما عن خبرهما، فقصتا عليه ما فعل موسى عليه السلام، فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها، قال الله تعالى { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } أي مشي الحرائر كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال كانت مستترة بكم درعها. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال قال عمر رضي الله عنه جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خراجة ولاجة. هذا إسناد صحيح. قال الجوهري السلفع من الرجال الجسور، ومن النساء الجرئية السليطة، ومن النوق الشديدة. { قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } وهذا تأدب في العبارة، لم تطلبه طلباً مطلقاً لئلا يوهم ريبة، بل قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، يعني ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا، { فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } أي ذكر له ما كان من أمره، وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده، { قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يقول طب نفساً، وقر عيناً، فقد خرجت من مملكتهم، فلا حكم لهم في بلادنا، ولهذا قال { نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ }. وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو؟ على أقوال أحدها أنه شعيب النبي عليه السلام الذي أرسل إلى أهل مدين، وهذا هو المشهور عند كثير من العلماء، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد، ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز الأويسي، حدثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن شعيباً هو الذي قص عليه موسى القصص، قال { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ }. وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد العنزي أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له " مرحباً بقوم شعيب، وأختان موسى، هديت " وقال آخرون بل كان ابن أخي شعيب. وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب. وقال آخرون كان شعيب قبل زمان موسى عليه السلام بمدة طويلة لأنه قال لقومهوَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } هود 89 وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل عليه السلام بنص القرآن، وقد علم أنه كان بين الخليل وموسى عليهما السلام مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة، كما ذكره غير واحد. وما قيل إن شعيباً عاش مدة طويلة، إنما هو ــــ والله أعلم ــــ احتراز من هذا الإشكال، ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه، لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن ههنا، وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده، كما سنذكره قريباً إن شاء الله، ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه ثيرون، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6