الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَأَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } * { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

يقول تعالى مخبراً رسوله، وآمراً له أن يقول { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبِّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ } كما قال تعالىقُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ } يونس 104 وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها، والاعتناء بها كما قال تعالىفَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } قريش 3 ــــ 4، وقوله تعالى { ٱلَّذِي حَرَّمَهَا } أي الذي إنما صارت حراماً شرعاً وقدراً بتحريمه لها كما ثبت في " الصحيحين " عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلاّ من عرفها، ولا يختلى خلاها " الحديث بتمامه. وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع، كما هو مبين في موضعه من كتاب " الأحكام " ، ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى { وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ } من باب عطف العام على الخاص، أي هو رب هذه البلدة، ورب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو، { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } أي الموحدين المخلصين، المنقادين لأمره، المطيعين له. وقوله { وَأَنْ أَتْلُوَا ٱلْقُرْءَانَ } أي على الناس، أبلغهم إياه، كقوله تعالىذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَـٰتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } آل عمران 58 وكقوله تعالىنَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِٱلْحَقِّ } القصص 3 الآية، أي أنا مبلغ ومنذر، { فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } أي لي أسوة بالرسل الذين أنذروا قومهم، وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم، وخلصوا من عهدتهم، وحساب أممهم على الله تعالى كقوله تعالىفَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } الرعد 40 وقال { إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ } { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا } أي لله الحمد الذي لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، والإنذار إليه، ولهذا قال تعالى { سَيُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا } كما قال تعالىسَنُرِيهِمْ ءَايَـٰتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } فصلت 53. وقوله تعالى { وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي بل هو شهيد على كل شيء. قال ابن أبي حاتم ذكر عن أبي عمر الحوضي حفص بن عمر، حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي، حدثنا سعيد بن أبي سعيد، سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس لا يغترن أحدكم بالله، فإن الله لو كان غافلاً شيئاً، لأغفل البعوضة والخردلة والذرة " وقال أيضاً حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا نصر بن علي، قال أبي أخبرني خالد بن قيس عن مطر عن عمر بن عبد العزيز قال فلو كان الله مغفلاً شيئاً، لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم، وقد ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه كان ينشد هذين البيتين، إما له، وإما لغيره
إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْماً فَلا تَقُلْ خَلَوْتُ ولكنْ قُلْ عَلَيَّ رقيبُ ولا تَحْسَبَنَّ اللّهَ يَغْفُلُ ساعَةً ولا أَنَّ ما يَخْفى عليهِ يغيبُ   
آخر تفسير سورة النمل، ولله الحمد والمنّة.