الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ }

هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، يخرج الله لهم دابة من الأرض، قيل من مكة، وقيل من غيرها كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى، فتكلم الناس على ذلك، قال ابن عباس والحسن وقتادة، ويروى عن علي رضي الله عنه تكلمهم كلاماً، أي تخاطبهم مخاطبة، وقال عطاء الخراساني تكلمهم فتقول لهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. ويروى هذا عن علي، واختاره ابن جرير، وفي هذا القول نظر لا يخفى، والله أعلم. وقال ابن عباس في رواية تجرحهم، وعنه رواية قال كلاًّ تفعل، هذا وهذا، وهو قول حسن، ولا منافاة، والله أعلم. وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة، فلنذكر منها ما تيسر، والله المستعان. قال الإمام أحمد حدثنا سفيان، عن فرات، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة، ونحن نتذاكر أمر الساعة، فقال " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى بن مريم عليه السلام، والدجال، وثلاثة خسوف خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق أو تحشر الناس، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا " وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من طرق عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة مرفوعاً. وقال الترمذي حسن صحيح. ورواه مسلم أيضاً من حديث عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عنه موقوفاً، فالله أعلم. طريق أخرى قال أبو داود الطيالسي عن طلحة بن عمرو، وجرير ابن حازم، فأما طلحة فقال أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن عمير الليثي أن أبا الطفيل حدثه عن حذيفة ابن أسيد الغفاري أبي سريحة، وأما جرير فقال عن عبد الله بن عبيد، عن رجل من آل عبد الله بن مسعود، وحديث طلحة أتم وأحسن قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال " لها ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خرجة من أقصى البادية، ولا يدخل ذكرها القرية ــــ يعني مكة ــــ ثم تكمن زمناً طويلاً، ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك، فيعلو ذكرها في أهل البادية، ويدخل ذكرها القرية " يعني مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها المسجد الحرام، لم يرعهم إلا وهي تَرْغُو بين الركن والمقام، تنفض عن رأسها التراب، فارفض الناس عنها شتى ومعاً، وبقيت عصابة من المؤمنين، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله، فبدأت بهم، فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري، وولت في الأرض لا يدركها طالب، ولا ينجو منها هارب، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة، فتأتيه من خلفه، فتقول يا فلان الآن تصلي، فيقبل عليها، فتسمه في وجهه، ثم تنطلق، ويشترك الناس في الأموال، ويصطحبون في الأمصار، يعرف المؤمن من الكافر، حتى إن المؤمن ليقول يا كافر اقضني حقي، وحتى إن الكافر ليقول يا مؤمن اقضني حقي "

السابقالتالي
2 3 4