الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }

يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي على نعمه على عباده من النعم التي لا تعد ولا تحصى، وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى، وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم، واختارهم، وهم رسله وأنبياؤه الكرام، عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام، وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيره إن المراد بعباده الذين اصطفى، هم الأنبياء، قال وهو كقولهسُبْحَـٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الصافات 180 ــــ 182. وقال الثوري والسدي هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين، وروي نحوه عن ابن عباس أيضاً، ولا منافاة فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى. والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ذكره لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد، وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر، أن يحمدوه على جميع أفعاله، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار. وقد قال أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح، حدثنا طلق بن غنام، حدثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي مالك، عن ابن عباس { لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه رضي الله عنهم، وقوله تعالى { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة آخرى. ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره، فقال تعالى { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ } أي خلق تلك السموات في ارتفاعها وصفائها. وما جعل فيها من الكواكب النيرة والنجوم الزاهرة والأفلاك الدائرة. وخلق الأرض في استفالها وكثافتها، وما جعل فيها من الجبال والأطواد والسهول والأوعار، والفيافي والقفار، والزروع والأشجار، والثمار والبحار، والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك. وقوله تعالى { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي جعله رزقاً للعباد، { فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ } أي بساتين { ذَاتَ بَهْجَةٍ } أي منظر حسن، وشكل بهي، { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } أي لم تكونوا تقدرون على إنبات أشجارها، وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق المستقل بذلك، المتفرد به دون ما سواه من الأصنام والأنداد كما يعترف به هؤلاء المشركون كما قال تعالى في الآية الأخرىوَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } لقمان 25وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } العنكبوت 63 أي هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق، وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق، ولهذا قال تعالى { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ } أي أإله مع الله يعبد؟ وقد تبين لكم ولكل ذي لب مما يعترفون به أيضاً أنه الخالق الرازق.

السابقالتالي
2