الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

يخبر تعالى عن طغاة ثمود ورؤوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلال والكفر وتكذيب صالح، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة، وهموا بقتل صالح أيضاً، بأن يبيتوه في أهله ليلاً، فيقلتوه غيلة، ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه إنهم ما علموا بشيء من أمره، وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به من أنهم لم يشاهدوا ذلك، فقال تعالى { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ } أي مدينة ثمود { تِسْعَةُ رَهْطٍ } أي تسعة نفر { يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود لأنهم كانوا كبراءهم ورؤساءهم. قال العوفي عن ابن عباس هؤلاء هم الذين عقروا الناقة، أي الذين صدر ذلك عن رأيهم ومشورتهم، قبحهم الله ولعنهم، وقد فعل ذلك. وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس كان أسماء هؤلاء التسعة دعمى، ودعيم، وهرما، وهريم، وداب، وصواب، ورياب، ومسطع، وقدار بن سالف عاقر الناقة، أي الذي باشر ذلك بيده، قال الله تعالىفَنَادَوْاْ صَـٰحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } القمر 29 وقال تعالىإِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَـٰهَا } الشمس 12. وقال عبد الرزاق أنبأنا يحيى بن ربيعة الصنعاني، سمعت عطاء ــــ هو ابن أبي رباح ــــ يقول { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } قال كانوا يقرضون الدراهم، يعني أنهم كانوا يأخذون منها، وكأنهم كانوا يتعاملون بها عدداً كما كان العرب يتعاملون. وقال الإمام مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض. وفي الحديث الذي رواه أبو داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم، إلا من بأس. والغرض أن هؤلاء الكفرة الفسقة كان من صفاتهم الإفساد في الأرض، بكل طريق يقدرون عليها، فمنها ما ذكره هؤلاء الأئمة، وغير ذلك. وقوله تعالى { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } أي تحالفوا، وتبايعوا على قتل نبي الله صالح عليه السلام من لقيه ليلاً غيلة، فكادهم الله، وجعل الدائرة عليهم، قال مجاهد تقاسموا وتحالفوا على هلاكه، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين، وقال قتادة تواثقوا على أن يأخذوه ليلاً فيقتلوه، وذكر لنا أنهم بينما هم معانيق إلى صالح ليفتكوا به، إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم، قال العوفي عن ابن عباس هم الذين عقروا الناقة، قالوا حين عقروها لنبيتن صالحاً وأهله، فنقتلهم، ثم نقول لأولياء صالح ما شهدنا من هذا شيئاً، وما لنا به من علم، فدمرهم الله أجمعين. وقال محمد بن إسحاق قال هؤلاء التسعة بعدما عقروا الناقة هلم فلنقتل صالحاً، فإن كان صادقاً، عجلناه قبلنا، وإن كان كاذباً، كنا قد ألحقناه بناقته، فأتوه ليلاً ليبيتوه في أهله، فدمغتهم الملائكة بالحجارة، فلما أبطؤوا على أصحابهم، أتوا منزل صالح، فوجدوهم منشدخين قد رضخوا بالحجارة، فقالوا لصالح أنت قتلتهم، ثم هموا به، فقامت عشيرته دونه، ولبسوا السلاح، وقالوا لهم والله لا تقتلونه أبداً، وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث، فإن كان صادقاً، فلا تزيدوا ربكم عليكم غضباً، وإن كان كاذباً، فأنتم من وراء ما تريدون، فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك.

السابقالتالي
2