الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } * { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } * { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

لما جيء سليمان عليه السلام بعرش بلقيس قبل قدومها، أمر به أن يغير بعض صفاته ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته هل تقدم على أنه عرشها، أو أنه ليس بعرشها؟ فقال { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } قال ابن عباس نزع منه فصوصه ومرافقه، وقال مجاهد أمر به فغير ما كان فيه أحمر جُعل أصفر، وما كان أصفر جعل أحمر، وما كان أخضر جعل أحمر، غير كل شيء عن حاله. وقال عكرمة زادوا فيه ونقصوا. وقال قتادة جعل أسفله أعلاه، ومقدمه مؤخره، وزادوا فيه ونقصوا، { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ } أي عرض عليها عرشها، وقد غير ونكر، وزيد فيه ونقص منه، فكان فيها ثبات وعقل، ولها لب ودهاء وحزم، فلم تقدم على أنه هو لبعد مسافته عنها، ولا أنه غيره لما رأت من آثاره وصفاته، وإن غير وبدل ونكر، فقالت { كَأَنَّهُ هُوَ } أي يشبهه ويقاربه. وهذا غاية في الذكاء والحزم. وقوله { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } قال مجاهد يقوله سليمان، وقوله تعالى { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ } هذا من تمام كلام سليمان عليه السلام في قول مجاهد وسعيد بن جبير رحمهما الله، أي قال سليمان { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } وهي كانت قد صدها، أي منعها من عبادة الله وحده { مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ } وهذا الذي قاله مجاهد وسعيد وحسنٌ. وقاله ابن جرير أيضاً، ثم قال ابن جرير ويحتمل أن يكون في قوله { وَصَدَّهَا } ضمير يعود إلى سليمان، أو إلى الله عز وجل، تقديره ومنعها { مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي صدها عن عبادة غير الله { إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَـٰفِرِينَ } قلت ويؤيد قول مجاهد أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح كما سيأتي. وقوله { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا } وذلك أن سليمان عليه السلام أمر الشياطين فبنوا لها قصراً عظيماً من قوارير، أي من زجاج، وأجري تحته الماء، فالذي لا يعرف أمره يحسب أنه ماء، ولكن الزجاج يحول بين الماشي وبينه. واختلفوا في السبب الذي دعا سليمان عليه السلام إلى اتخاذه فقيل إنه لما عزم على تزوجها واصطفائها لنفسه، ذكر له جمالها وحسنها، لكن في ساقيها هلب عظيم، ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة، فساءه ذلك، فاتخذ هذا ليعلم صحته أم لا؟ هكذا قول محمد بن كعب القرظي وغيره. فلما دخلت وكشفت عن ساقيها، رأى أحسن الناس ساقاً، وأحسنهم قدماً، ولكن رأى على رجليها شعراً لأنها ملكة وليس لها زوج، فأحب أن يذهب ذلك عنها، فقيل لها الموسى، فقالت لا أستطيع ذلك، وكره سليمان ذلك، وقال للجن اصنعوا شيئاً غير الموسى يذهب بهذا الشعر، فصنعوا له النورة، وكان أول من اتخذت له النورة، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي والسدي وابن جريج وغيرهم.

السابقالتالي
2 3 4