الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان، قالت قد والله عرفت ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة، وما نصنع بمكابرته شيئاً، وبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك، وما تدعونا إليه من دينك، ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه، وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ، فجعل في سبعة أبيات، بعضها في بعض، ثم أقفلت عليه الأبواب، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي، فلا يخلص إليه أحد من عباد الله، و لايرينه أحد حتى آتيك، ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن، تحت يدي كل قيل منهم ألوف كثيرة، فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة، حتى إذا دنت، جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده فقال { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }. وقال قتادة لما بلغ سليمان أنها جائية، وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه، وكان من ذهب، وقوائمه لؤلؤ وجوهر، وكان مستراً بالديباج والحرير، وكانت عليه تسعة مغاليق، فكره أن يأخذه بعد إسلامهم. وقد علم نبي الله أنهم متى أسلموا، تحرم أموالهم ودماؤهم، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } وهكذا قال عطاء الخراساني والسدي وزهير بن محمد { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ، فتحرم علي أموالهم بإسلامهم { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ } قال مجاهد أي مارد من الجن، قال شعيب الجبائي وكان اسمه كوزن، وكذا قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان، وكذا قال أيضاً وهب بن منبه. قال أبو صالح وكان كأنه جبل { أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } قال ابن عباس رضي الله عنه يعني قبل أن تقوم من مجلسك. وقال مجاهد مقعدك، وقال السدي وغيره كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام، من أول النهار إلى أن تزول الشمس، { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } قال ابن عباس أي قوي على حمله، أمين على ما فيه من الجوهر، فقال سليمان عليه الصلاة والسلام أريد أعجل من ذلك، ومن ههنا يظهر أن سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهب الله له من الملك، وما سخر له من الجنود الذي لم يعطه أحد قبله، ولا يكون لأحد من بعده، وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها لأن هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه، هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة. فلما قال سليمان أريد أعجل من ذلك، { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } قال ابن عباس وهو آصف كاتب سليمان، وكذا روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان أنه آصف بن برخياء.

السابقالتالي
2