هذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء، أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتلوه على أمته ليقتدوا به في الإخلاص والتوكل، وعبادة الله وحده لا شريك له، والتبري من الشرك وأهله، فإن الله تعالى آتى إبراهيم رشده من قبل، أي من صغره إلى كبره، فإنه من وقت نشأ وشب أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله عز وجل { إِذْ قَالَ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } أي ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَـٰكِفِينَ } أي مقيمين على عبادتها ودعائها { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } يعني اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئاً من ذلك، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يهرعون، فعند ذلك قال لهم إبراهيم { أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِىۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي إن كانت هذه الأصنام شيئاً، ولها تأثير، فلتخلص إلي بالمساءة، فإني عدو لها، لا أبالي بها، ولا أفكر فيها، وهذا كما قال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام{ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ } يونس 71 الآية، وقال هود عليه السلام{ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهِ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } هود 54 ــــ 56 وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم فقال{ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ } الأنعام 81 الآية. وقال تعالى{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } ــــ إلى قوله ــــ{ حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } الممتحنة 4 وقال تعالى{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً } الزخرف 26 ــــ 28 يعني لا إله إلا الله.