الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } * { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } * { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } * { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } * { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }

ذكر الله تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى عليه السلام والقبط في سورة الأعراف، وفي سورة طه، وفي هذه السورة، وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهذا شأن الكفر والإيمان، ما تواجها وتقابلا، إلا غلبه الإيمانبَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء 18وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ } الإسراء 81 الآية، ولهذا لما جاء السحرة، وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر، وكانوا إذ ذاك من أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلاً في ذلك، وكان السحرة جمعاً كثيراً وجماً غفيراً، قيل كانوا اثني عشر ألفاً، وقيل خمسة عشر ألفاً، وقيل سبعة عشر ألفاً، وقيل تسعة عشر ألفاً، وقيل بضعة وثلاثين ألفاً، وقيل ثمانين ألفاً، وقيل غير ذلك، والله أعلم بعدتهم. قال ابن إسحاق وكان أمرهم راجعاً إلى أربعة منهم، وهم رؤساؤهم، وهم سابور، وعاذور، وحطحط، ومصفى، واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم، وقال قائلهم { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ } ولم يقولوا نتبع الحق، سواء كان من السحرة أو من موسى، بل الرعية على دين ملكهم، { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ } أي إلى مجلس فرعون، وقد ضربوا له وطاقاً، وجمع خدمه وحشمه وأمراؤه ووزراؤه ورؤساء دولته وجنود مملكته، فقام السحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا، أي هذا الذي جمعتنا من أجله، فقالوا { أَإِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } أي وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي، فعادوا إلى مقام المناطرةقَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ } طه 65 ــــ 66 وقد اختصر هذا ههنا، فقال لهم موسىأَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } وهذا كما تقول الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئاً هذا بثواب فلان، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأعراف أنهمسَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } الأعراف 116. وقال في سورة طهفَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } ــــ إلى قوله ــــوَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } طه 66 ــــ 69 وقال ههنا { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } أي تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه، فلم تدع منه شيئاً. قال الله تعالىفَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ــــ إلى قوله ــــرَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } الأعراف 118 ــــ 122 فكان هذا أمراً عظيماً جداً، وبرهاناً قاطعاً للعذر، وحجة دامغة، وذلك أن الذين استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا، غلبوا وخضعوا، وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة، وسجدوا لله رب العالمين الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة، فغلب فرعون غلباً لم يشاهد العالم مثله، وكان وقحاً جريئاً، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل، فشرع يتهددهم ويتوعدهم ويقول { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } وقالإِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } الأعراف 123 الآية.