الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } * { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } * { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

يقول تعالى مخاطباً لمن زعم من المشركين أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحق، وأنه شيء افتعله من تلقاء نفسه، أو أنه أتاه به رئي من الجان، فنزه الله سبحانه وتعالى جناب رسوله عن قولهم وافترائهم، ونبه أن ما جاء به إنما هو من عند الله، وأنه تنزيله ووحيه، نزل به ملك كريم أمين عظيم، وأنه ليس من قبل الشياطين، فإنهم ليس لهم رغبة في مثل هذا القرآن العظيم، وإنما ينزلون على من يشاكلهم ويشابههم من الكهان الكذبة، ولهذا قال الله تعالى { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } أي أخبركم { عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَـٰطِينُ تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ } أي كذوب في قوله، وهو الأفاك { أَثِيمٍ } وهو الفاجر في أفعاله. فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين من الكهان، وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة فإن الشياطين أيضاً كذبة فسقة { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ } أي يسترقون السمع من السماء، فيسمعون الكلمة من علم الغيب، فيزيدون معها مائة كذبة، ثم يلقونها إلى أوليائهم من الإنس، فيحدثون بها، فيصدقهم الناس في كل ما قالوه بسبب صدقهم في تلك الكلمة التي سمعت من السماء كما صح بذلك الحديث. كما رواه البخاري من حديث الزهري أخبرني يحيى بن عروة بن الزبير أنه سمع عروة بن الزبير يقول قالت عائشة رضي الله عنها سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال " إنهم ليسوا بشيء " قالوا يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشيء يكون حقاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاج، فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة " وروى البخاري أيضاً حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو قال سمعت عكرمة يقول سمعت أبا هريرة يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض ــــ ووصف سفيان بيده، فحرفها وبدد بين أصابعه ــــ فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء " تفرد به البخاري. وروى مسلم من حديث الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس، عن رجال من الأنصار قريباً من هذا، وسيأتي عند قوله تعالى في سبأ

السابقالتالي
2 3 4 5