الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } * { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

يقول تعالى مخبراً عن جواب قوم هود له بعد ما حذرهم وأنذرهم، ورغبهم ورهبهم، وبين لهم الحق ووضحه { قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَٰعِظِينَ } أي لا نرجع عما نحن عليه،وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِىۤ ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } هود 53 وهكذا الأمر، فإن الله تعالى قال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وقال تعالىإِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } يونس 96 الآية، وقولهم { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } قرأ بعضهم { إن هذا إلا خَلْقُ الأَولين } بفتح الخاء وتسكين اللام. قال ابن مسعود والعوفي عن عبد الله بن عباس وعلقمة ومجاهد يعنون ما هذا الذي جئتنا به إلاأخلاق الأولين، كما قال المشركون من قريشوَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } الفرقان 4 ــــ 5 وقالوَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } الفرقان 4 ــــ 5 وقالوَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } النحل 24 وقرأ آخرون { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } بضم الخاء واللام، يعنون دينهم وما هم عليه من الأمر هو دين الأولين من الآباء والأجداد، ونحن تابعون لهم، سالكون وراءهم، نعيش كما عاشوا، ونموت كما ماتوا، ولا بعث ولامعاد، ولهذا قالوا { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } يقول دين الأولين. وقاله عكرمة وعطاء الخراساني وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير. وقوله تعالى { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } أي استمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده، فأهلكهم الله. وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحاً صرصراً عاتية، أي ريحاً شديدة الهبوب، ذات برد شديد جداً، فكان سبب إهلاكهم من جنسهم، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة، كما قال تعالىأَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } الفجر 6 ــــ 7 وهم عاد الأولى، كما قال تعالى1649وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } النجم 50 وهم من نسل إرم بن سام بن نوحإِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } الفجر 7 الذين كانوا يسكنون العمد، ومن زعم أن إرم مدينة، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب، وليس لذلك أصل أصيل، ولهذا قالٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } الفجر 8 أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال التي لم يبن مثلها في البلاد، وقال تعالىفَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ }

السابقالتالي
2