الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } * { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }

وهذه أيضاً من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور، قيل هو الشرك وعبادة الأصنام، وقيل الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل، وقال محمد بن الحنفية هو اللغو والغناء. وقال أبو العالية وطاوس وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم هي أعياد المشركين. وقال عمرو بن قيس هي مجالس السوء والخنا. وقال مالك عن الزهري شرب الخمر، لا يحضرونه ولا يرغبون فيه كما جاء في الحديث " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر " وقيل المراد بقوله تعالى { لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي شهادة الزور، وهي الكذب متعمداً على غيره كما في " الصحيحين " عن أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " ثلاثاً، قلنا بلى يا رسول الله. قال " الشرك بالله، وعقوق الوالدين " وكان متكئاً، فجلس فقال " ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور، أي لا يحضرونه، ولهذا قال تعالى { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } أي لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به، مروا ولم يتدنسوا منه بشيء، ولهذا قال { مَرُّواْ كِراماً }. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سيعد الأشج، حدثنا أبو الحسن العجلي عن محمد بن مسلم، أخبرني إبراهيم بن ميسرة أن ابن مسعود مر بلهو فلم يقف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريماً " وحدثنا الحسين بن محمد بن سلمة النحوي، ثنا حبان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد بن مسلم، أخبرني ميسرة قال بلغني أن ابن مسعود مر بلهو معرضاً، فلم يقف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريماً " ثم تلا إبراهيم بن ميسرة { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً }. وقوله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـآيَـٰتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } وهذه أيضاً من صفات المؤمنينٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الأنفال 2 بخلاف الكافر، فإنه إذا سمع كلام الله، لا يؤثر فيه، ولا يتغير عما كان عليه، بل يبقى مستمراً على كفره وطغيانه وجهله وضلاله كما قال تعالىوَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَـٰناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } التوبة 124 ــــ 125 فقوله { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } أي بخلاف الكافر الذي إذا سمع آيات الله، فلا تؤثر فيه، فيستمر على حاله كأن لم يسمعها أصم أعمى.

السابقالتالي
2 3