الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } * { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } * { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }

هذه صفات عباد الله المؤمنين { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } أي بسكينة ووقار، من غير جبرية ولا استكبار كقوله تعالىوَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحًا } الإسراء 37 الآية، فأما هؤلاء، فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح، ولا أشر ولا بطر، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعاً ورياء، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع، حتى روي عن عمر أنه رأى شاباً يمشي رويداً، فقال ما بالك، أأنت مريض؟ قال لا يا أمير المؤمنين فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة، وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتيتم الصلاة، فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم منها فصلوا، وما فاتكم فأتموا ". وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن البصري في قوله { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } الآية، قال إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت منهم ــــ والله ــــ الأسماع والأبصار والجوارح، حتى تحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، وإنهم والله أصحاء، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، أما والله ما أحزنهم ما أحزن الناس، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة، ولكن أبكاهم الخوف من النار، إنه من لم يتعز بعزاء الله، تَقَطَّع نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله نعمةً إلا في مطعم أو مشرب، فقد قل علمه، وحضر عذابه. وقوله تعالى { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } أي إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيــــىء لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيراً كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلماً، وكما قال تعالىوَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } القصص 55 الآية. وروى الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن أبي خالد الوالبي، عن النعمان بن مقرن المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسب رجل رجلاً عنده، فجعل، قال المسبوب يقول عليك السلام، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إن ملكاً بينكما يذب عنك، كلما شتمك هذا، قال له بل أنت، وأنت أحق به، وإذا قلت له وعليك السلام، قال لا، بل عليك، وأنت أحق به " إسناده حسن، ولم يخرجوه. وقال مجاهد { قَالُواْ سَلَـٰماً } يعني قالوا سداداً. وقال سعيد بن جبير ردوا معروفاً من القول.

السابقالتالي
2 3