الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } * { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً }

يقول تعالى متوعداً من كذب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من مشركي قومه ومن خالفه، ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه، مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله، فبدأ بذكر موسى عليه السلام، وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيراً، أي نبياً مؤازراً، ومؤيداً وناصراً، فكذبهما فرعون وجنوده، فـدَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَـٰفِرِينَ أَمْثَٰلُهَا } محمد 10 وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحاً عليه السلام، ومن كذب برسول، فقد كذب بجميع الرسل، إذ لا فرق بين رسول ورسول، ولو فرض أن الله تعالى بعث إليهم كل رسول، فإنهم كانوا يكذبون، ولهذا قال تعالى { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل، ويحذرهم نقمه،وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } هود 40 ولهذا أغرقهم الله جميعاً، ولم يبق منهم أحداً، ولم يترك من بني آدم على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة فقط { وَجَعَلْنَـٰهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً } أي عبرة يعتبرون بها كما قال تعالىإِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَٰعِيَةٌ } الحاقة 11 ــــ 12 أي وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لجج البحار لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق، وجعلكم من ذرية من آمن به، وصدق أمره. وقوله تعالى { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَـٰبَ ٱلرَّسِّ } قد تقدم الكلام على قصتيهما في غير ما سورة كسورة الأعراف بما أغنى عن الإعادة. وأما أصحاب الرس، فقال ابن جريج عن ابن عباس هم أهل قرية من قرى ثمود. وقال ابن جريج قال عكرمة أصحاب الرس بفلج، وهم أصحاب يس. وقال قتادة فلج من قرى اليمامة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر، حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله { وَأَصْحَـٰبَ ٱلرَّسِّ } قال بئر بأذربيجان. وقال الثوري عن أبي بكير، عن عكرمة الرس بئر رسوا فيها نبيهم، أي دفنوه بها. وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود، وذلك أن الله تعالى بعث نبياً إلى أهل قرية، فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي، فحفروا له بئراً، فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، قال فكان ذلك العبد يذهب، فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه، ويشتري به طعاماً وشراباً، ثم يأتي به إلى تلك البئر، فيرفع تلك الصخرة، ويعينه الله تعالى عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثم يردها كما كانت، قال فكان ذلك ما شاء الله أن يكون، ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع، فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها، فلما أراد أن يحتملها وجد سنة، فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً، ثم إنه هب، فتمطى، فتحول لشقه الآخر، فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم إنه هب، واحتمل حزمته، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع، ثم إنه ذهب إلى الحفيرة موضعها الذي كانت فيه، فالتمسه فلم يجده، وكان قد بدا لقومه فيه بداء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه، قال فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون له لا ندري، حتى قبض الله النبي، وهب الأسود من نومته بعد ذلك "

السابقالتالي
2