الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً }

يقول تعالى مخبراً عن رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال " يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً " وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن، ولا يستمعونه كما قال تعالىوَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } فصلت 26 الآية، فكانوا إذا تلي عليهم القرآن، أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه وترك الإيمان به، وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره، من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب. وقوله تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي كما حصل لك يا محمد في قومك من الذين هجروا القرآن، كذلك كان في الأمم الماضين لأن الله جعل لكل نبي عدواً من المجرمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم كما قال تعالىوَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ عَدُوّاً شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } الأنعام 112 الآيتين، ولهذا قال تعالى ههنا { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } أي لمن اتبع رسوله، وآمن بكتابه وصدقه واتبعه، فإن الله هاديه وناصره في الدنيا والآخرة، وإنما قال { هَادِياً وَنَصِيراً } لأن المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن لئلا يهتدي أحد به، ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن، فلهذا قال { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } الآية.