الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } * { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً }

يقول تعالى مخبراً عن تعنت الكفار في كفرهم، وعنادهم في قولهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } أي بالرسالة كما تنزل على الأنبياء، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرىقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } الأنعام 124 ويحتمل أن يكون مرادهم ههنا { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } ، فنراهم عياناً، فيخبرونا أن محمداً رسول الله، كقولهمأَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةِ قَبِيلاً } الإسراء 92 وقد تقدم تفسيرها في سورة سبحان، ولهذا قالوا { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } ، ولهذا قال الله تعالى { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } وقد قال تعالىوَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } الأنعام 111 الآية. وقوله تعالى { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } أي هم لا يرون الملائكة في يوم خير لهم، بل يوم يرونهم لا بشرى يومئذ لهم، وذلك يصدق على وقت الاحتضار، حين تبشرهم الملائكة بالنار، والغضب من الجبار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سموم وحميم، وظل من يحموم، فتأبى الخروج، وتتفرق في البدن، فيضربونه كما قال الله تعالىوَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ } الأنفال 50 الآية، وقال تعالىوَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } الأنعام 93 أي بالضربأَخْرِجُوۤاْ أَنفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَـٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } الأنعام 93 ولهذا قال في هذه الآية الكريمة { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } وهذا بخلاف حال المؤمنين حال احتضارهم، فإنهم يبشرون بالخيرات، وحصول المسرات، قال الله تعالىإِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } فصلت 30 ــــ 32. وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب أن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب إن كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان. وقد تقدم الحديث في سورة إبراهيم عند قوله تعالىيُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } إبراهيم 27. وقال آخرون بل المراد بقوله { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ } يعني يوم القيامة، قاله مجاهد والضحاك وغيرهما، ولا منافاة بين هذا وما تقدم، فإن الملائكة في هذين اليومين يوم الممات ويوم المعاد، تتجلى للمؤمنين وللكافرين، فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان، وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران، فلا بشرى يومئذ للمجرمين، { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } أي وتقول الملائكة للكافرين حرام محرم عليكم الفلاح اليوم.

السابقالتالي
2 3 4