الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }

يقول تعالى مخبراً عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين أنهم كانوا يأكلون الطعام، ويحتاجون إلى التغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم فإن الله تعالى جعل لهم من السمات الحسنة والصفات الجميلة والأقوال الفاضلة والأعمال الكاملة والخوارق الباهرة والأدلة الظاهرة، ما يستدل به كل ذي لب سليم وبصيرة مستقيمة على صدق ما جاؤوا به من الله، ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالىوَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِىۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } يوسف 109 وقولهوَمَا جَعَلْنَـٰهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } الأنبياء 8 الآية. وقوله تعالى { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ }؟ أي اختبرنا بعضكم ببعض وبلونا بعضكم ببعض، لنعلم من يطيع ممن يعصي، ولهذا قال { أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } أي بمن يستحق أن يوحي إليه، كما قال تعالىٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } الأنعام 124 ومن يستحق أن يهديه الله لما أرسلهم به، ومن لا يستحق ذلك. وقال محمد بن إسحاق في قوله { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ } قال يقول الله لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون، لفعلت، ولكني قد أردت أن أبتلي العباد بهم، وأبتليكم بهم. وفي " صحيح مسلم " عن عياض بن حمار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى إني مبتليك ومبتلٍ بك " وفي المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة " وفي الصحيح أنه عليه أفضل الصلاة والسلام خير بين أن يكون نبياً ملكاً، أو عبداً رسولاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً.