الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

اختلف المفسرون رحمهم الله في المعنى الذي لأجله رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض ههنا، فقال عطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنها نزلت في الجهاد، وجعلوا هذه الآية ههنا كالتي في سورة الفتح، وتلك في الجهاد لا محالة، أي إنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم، وكما قال تعالى في سورة براءةلَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } - إلى قوله -أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } التوبة 91 ــــ 92 وقيل المراد ههنا أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات، فربما سبقه غيره إلى ذلك، ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس، فيفتات عليه جليسه، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم، فأنزل الله هذه الآية، رخصة في ذلك، وهذا قول سعيد بن جبير ومقسم. وقال الضحاك كانوا قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذراً وتعززاً، ولئلا يتفضلوا عليهم، فأنزل الله هذه الآية. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } الآية، قال كان الرجل يذهب بالأعمى أو بالأعرج أو بالمريض إلى بيت أبيه أو أخيه، أو بيت أخته، أو بيت عمته، أو بيت خالته، فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت عشيرتهم، فنزلت هذه الآية رخصة لهم. وقال السدي كان الرجل يدخل بيت أبيه أو أخيه أو ابنه، فتتحفه المرأة بشيء من الطعام، فلا يأكل من أجل أن رب البيت ليس ثم، فقال الله تعالى { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } الآية. وقوله تعالى { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } إنما ذكر هذا، وهو معلوم ليعطف عليه غيره في اللفظ، وليساوي به ما بعده في الحكم، وتضمن هذا بيوت الأبناء لأنه لم ينص عليهم، ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه، وقد جاء في المسند والسنن من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أنت ومالك لأبيك " وقوله { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَـٰتِكُمْ } ــــ إلى قوله ــــ { أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ } هذا ظاهر، وقد يستدل به من يوجب نفقة الأقارب بعضهم على بعض كما هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل في المشهور عنهما، وأما قوله { أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ } فقال سعيد بن جبير والسدي هو خادم الرجل من عبد وقهرمان، فلا بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف.

السابقالتالي
2 3