الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

يقول تعالى مخبراً عن أهل النفاق الذين كانوا يحلفون للرسول صلى الله عليه وسلم لئن أمرتهم بالخروج في الغزو ليخرجن، قال الله تعالى { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ } أي لا تحلفوا. وقوله { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } قيل معناه طاعتكم طاعة معروفة، أي قد علم طاعتكم إنما هي قول لا فعل معه، وكلما حلفتم كذبتم، كما قال تعالىيَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } التوبة 96 الآية. وقال تعالىٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } المجادلة 16 الآية، فهم من سجيتهم الكذب، حتى فيما يختارونه، كما قال تعالىأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَـٰفَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَـٰرَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } الحشر 11 ــــ 12. وقيل المعنى في قوله { طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } أي ليكن أمركم طاعة معروفة، أي بالمعروف من غير حلف ولا أقسام كما يطيع الله ورسوله المؤمنون بغير حلف، فكونوا أنتم مثلهم، { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي هو خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي، فالحلف وإظهار الطاعة والباطن بخلافه، وإن راج على المخلوق، فالخالق تعالى يعلم السر وأخفى، لا يروج عليه شي من التدليس، بل هو خبير بضمائر عباده، وإن أظهروا خلافها. ثم قال تعالى { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } أي اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله. وقوله تعالى { فإِن تَوَلَّوْاْ } أي تتولوا عنه، وتتركوا ما جاءكم به { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ } أي إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة { وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } أي بقبول ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه { وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ } وذلك لأنه يدعو إلى صراط مستقيمصِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } الشورى 53 الآية. وقوله تعالى { وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } كقوله تعالىفَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ ٱلْمُبِينُ } الرعد 40. وقولهفَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } الغاشية 21 ــــ 22. قال وهب بن منبه أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له شعياء أن قم في بني إسرائيل، فإني سأطلق لسانك بوحي، فقام فقال يا سماء اسمعي، ويا أرض أنصتي، فإن الله يريد أن يقضي شأناً، ويدبر أمراً هو منفذه، إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلاة، والآجام في الغيطان، والأنهار في الصحارى، والنعمة في الفقراء، والملك في الرعاة، ويريد أن يبعث أمياً من الأميين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، لو يمر على السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشراً ونذيراً، لا يقول الخنى، أفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وأسدده لكل أمر جميل، وأهب له كل خلق كريم، وأجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة منطقه، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خلقه، والحق شريعته، والعدل سيرته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلم به من الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأعرف به بعد النكرة، وأكثر به القلة، وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين أمم متفرقة، وقلوب مختلفة، وأهواء مشتتة، وأستنقذ به فئاماً من الناس عظيماً من الهلكة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين بما جاءت به رسلي، رواه ابن أبي حاتم.