الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } * { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون }

يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، يقولون قولاً بألسنتهم { آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم، فيقولون ما لا يفعلون، ولهذا قال تعالى { وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ }. وقوله تعالى { وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } الآية، أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدىٰ فيما أنزل الله على رسوله، أعرضوا عنه، واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه، وهذه كقوله تعالىأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } ــــ إلى قوله ــــرَأَيْتَ ٱلْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } النساء 60 ــــ 61. وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء عن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعاً " من دعي إلى سلطان، فلم يجب، فهو ظالم لا حق له ". وقوله تعالى { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } أي وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم، جاؤوا سامعين مطيعين، وهو معنى قوله { مُذْعِنِينَ } وإذا كانت الحكومة عليه، أعرض ودعا إلى غير الحق، وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم ليروج باطله ثَمَّ. فإذعانه أولاً لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق، بل لأنه موافق لهواه، ولهذا لما خالف الحق قصده، عدل عنه إلى غيره، ولهذا قال تعالى { أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } الآية، يعني لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض لازم لها، أو قد عرض لها شك في الدين، أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم، وأيا ما كان، فهو كفر محض، والله عليم بكل منهم، وما هو منطو عليه من هذه الصفات. وقوله تعالى { بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي بل هم الظالمون الفاجرون، والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور، تعالى الله ورسوله عن ذلك. قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مبارك، حدثنا الحسن قال كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة، فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق، أذعن، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق، وإذا أراد أن يظلم، فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض وقال انطلق إلى فلان، فأنزل الله هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كان بينه وبين أخيه شيء، فدعي إلى حكم من حكام المسلمين، فأبى أن يجيب، فهو ظالم لا حق له " وهذا حديث غريب، وهو مرسل. ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله، الذين لا يبغون ديناً سوى كتاب الله وسنة رسوله، فقال { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي سمعاً وطاعة.

السابقالتالي
2