هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلاً، فكذلك يجلد قاذفه أيضاً، وليس في هذا نزاع بين العلماء، فإن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله، درأ عنه الحد، ولهذا قال تعالى { ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } فأوجب على القاذف، إذا لم يقم البينة على صحة ما قال، ثلاثة أحكام أحدها أن يجلد ثمانين جلدة. الثاني أنه ترد شهادته أبداً. الثالث أن يكون فاسقاً ليس بعدل، لا عند الله، ولا عند الناس. ثم قال تعالى { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الآية. واختلف العلماء في هذا الاستثناء. هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، فترفع التوبة الفسق فقط، ويبقى مردود الشهادة دائماً، وإن تاب، أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة؟ وأما الجلد، فقد ذهب وانقضى، سواء تاب أو أصر، ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف، فذهب الإمام مالك وأحمد والشافعي إلى أنه إذا تاب، قبلت شهادته، وارتفع عنه حكم الفسق، ونص عليه سعيد بن المسيب سيد التابعين، وجماعة من السلف أيضاً. وقال الإمام أبو حنيفة إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط، فيرتفع الفسق بالتوبة، ويبقى مردود الشهادة أبداً، وممن ذهب إليه من السلف القاضي شريح وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول وعبد الرحمن بن زيد بن جابر. وقال الشعبي والضحاك لا تقبل شهادته وإن تاب، إلا أن يعترف على نفسه أنه قد قال البهتان، فحينئذ تقبل شهادته، والله أعلم.