الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ }

هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات ــــ خرج مخرج الغالب ــــ فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة، ولا سيما التي كانت سبب النزول، وهي عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما، وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا، ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر لأنه معاند للقرآن، وفي بقية أمهات المؤمنين قولان أصحهما أنهن كهي، والله أعلم. وقوله تعالى { لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ } الآية، كقولهإِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } الأحزاب 57 الآية. وقد ذهب بعضهم إلى أنها خاصة بعائشة رضي الله عنها، فقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عبد الله بن حراش عن العوام عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنـٰتِ } قال نزلت في عائشة خاصة، وكذا قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان، وقد ذكره ابن جرير عن عائشة، فقال حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال قالت عائشة رميت بما رميت به وأنا غافلة، فبلغني بعد ذلك، قالت فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عندي، إذ أوحي إليه، قالت وكان إذا أوحي إليه أخذه كهيئة السبات، وإنه أوحي إليه وهو جالس عندي، ثم استوى جالساً يمسح وجهه، وقال " يا عائشة أبشري " قالت فقلت بحمد الله، لا بحمدك، فقرأ { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنـٰتِ } ــــ حتى بلغ ــــ { أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } هكذا أورده، وليس فيه أن الحكم خاص بها، وإنما فيه أنها سبب النزول دون غيرها، وإن كان الحكم يعمها كغيرها، ولعله مراد ابن عباس ومن قال كقوله، والله أعلم. وقال الضحاك وأبو الجوزاء وسلمة بن نبيط المراد بها أزواج النبي خاصة دون غيرهن من النساء. وقال العوفي عن ابن عباس في الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنـٰتِ } الآية، يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رماهن أهل النفاق، فأوجب الله لهم اللعنة والغضب، وباؤوا بسخط من الله، فكان ذلك في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم نزل بعد ذلك { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } ــــ إلى قوله ــــ { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فأنزل الله الجلد والتوبة، فالتوبة تقبل، والشهادة ترد. وقال ابن جرير حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا هشيم، أخبرنا العوام بن حوشب عن شيخ من بني أسد عن ابن عباس قال فسر سورة النور، فلما أتى على هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْغَـٰفِلَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنـٰتِ } الآية، قال في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي مبهمة، وليست لهم توبة، ثم قرأ { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } ــــ إلى قوله ــــ { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ } الآية، قال فجعل لهؤلاء توبة، ولم يجعل لمن قذف أولئك توبة، قال فهمّ بعض القوم أن يقوم إليه فيقبل رأسه من حسن ما فسر به سورة النور.

السابقالتالي
2 3