الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

يقول تعالى هذه { سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا } فيه تنبيه على الاعتناء بها، ولا ينفي ما عداها { وَفَرَضْنَـٰهَا }. قال مجاهد وقتادة أي بينا الحلال والحرام، والأمر والنهي والحدود. وقال البخاري ومن قرأ فرضناها، يقول فرضناها عليكم، وعلى من بعدكم { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ ءَايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ } أي مفسرات واضحات { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، ثم قال تعالى { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكراً، وهو الذي لم يتزوج، أو محصناً، وهو الذي قد وطىء في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل، فأما إذا كان بكراً لم يتزوج، فإن حده مائة جلدة، كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يغرب عاماً عن بلده عند جمهور العلماء خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام إن شاء غرب، وإن شاء لم يغرب، وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في " الصحيحين " من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفاً ــــ يعني أجيراً ــــ على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى، الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس ــــ لرجل من أسلم ــــ إلى امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها، فغدا عليها، فاعترفت، فرجمها " ، وفي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة، إذا كان بكراً لم يتزوج، فأما إذا كان محصناً، وهو الذي قد وطىء في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل، فإنه يرجم. كما قال الإمام مالك حدثني محمد بن شهاب، أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن عمر رضي الله عنه قام، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال أما بعد، أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف.

السابقالتالي
2 3 4