يقول تعالى { وَلَقَدْ أَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْعَذَابِ } أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } أي فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر والمخالفة، بل استمروا على غيهم وضلالهم { فَمَا ٱسْتَكَانُواْ } ، أي ما خشعوا { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } أي ما دعوا كما قال تعالى{ فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } الأنعام 43 الآية. وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن حمزة المروزي، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبي عن يزيد ــــ يعني النحوي ــــ عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز ــــ يعني الوبر والدم ــــ فأنزل الله { وَلَقَدْ أَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ } الآية، وكذا رواه النسائي عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبيه به، وأصله في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا، فقال " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان، حدثني وهب بن عمر بن كيسان قال حبس وهب بن منبه، فقال له رجل من الأبناء ألا أنشدك بيتاً من شعر يا أبا عبد الله؟ فقال وهب نحن في طرف من عذاب الله، والله يقول { وَلَقَدْ أَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } قال وصام وهب ثلاثاً متواصلة، فقيل له ما هذا الصوم يا أبا عبد الله؟ قال أحدث لنا، فأحدثنا، يعني أحدث لنا الحبس، فأحدثنا زيادة عبادة. وقوله { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } أي حتى إذا جاءهم أمر الله، وجاءتهم الساعة بغتة، فأخذهم من عذاب الله ما لم يكونوا يحتسبون، فعند ذلك أبلسوا من كل خير، وأيسوا من كل راحة، وانقطعت آمالهم ورجاؤهم، ثم ذكر تعالى نعمه على عباده بأن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وهي العقول والفهوم التي يدركون بها الأشياء ويعتبرون بما في الكون من الآيات الدالة على وحدانية الله، وأنه الفاعل المختار لما يشاء. وقوله { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } أي ما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم كقوله{ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } يوسف 103 ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر في برئه الخليقة، وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم، ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم والآخرين لميقات يوم معلوم، فلا يترك منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا ذكراً ولا أنثى، ولا جليلاً ولا حقيراً، إلا أعاده كما بدأه، ولهذا قال { وَهُوَ ٱلَّذِى يُحْٰىِ وَيُمِيتُ } أي يحيي الرمم، ويميت الأمم، { وَلَهُ ٱخْتِلَـٰفُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي وعن أمره تسخير الليل والنهار، كل منهما يطلب الآخر طلباً حثيثاً، يتعاقبان لا يفتران ولا يفترقان بزمان غيرهما، كقوله