الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ }

يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله عيسى بن مريم عليهما السلام أنه جعلهما آية للناس، أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء، فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى. وقوله { وَءَاوَيْنَـٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } قال الضحاك عن ابن عباس الربوة المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة. قال ابن عباس وقوله { ذَاتِ قَرَارٍ } يقول ذات خصب { وَمَعِينٍ } يعني ماء ظاهراً، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة. وقال مجاهد ربوة مستوية، وقال سعيد بن جبير { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } استوى الماء فيها. وقال مجاهد وقتادة { وَمَعِينٍ } الماء الجاري. ثم اختلف المفسرون في مكان هذه الربوة من أي أرض هي؟ فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ليس الربى إلا بمصر، والماء حين يسيل يكون الربى عليها القرى، ولولا الربى، غرقت القرى، وروي عن وهب بن منبه نحو هذا، وهو بعيد جداً. وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرىء، حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى { وَءَاوَيْنَـٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } قال هي دمشق، قال وروي عن عبد الله بن سلام والحسن وزيد بن أسلم وخالد بن معدان نحو ذلك. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس { ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } قال أنهار دمشق. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد { وَءَاوَيْنَـٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ } قال عيسى بن مريم وأمه حين أويا إلى غوطة دمشق وما حولها. وقال عبد الرزاق عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقول في قول الله تعالى { إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } قال هي الرملة من فلسطين. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا عباد بن عباد الخواص أبو عتبة، حدثنا السيباني عن ابن وعلة عن كريب السحولي عن مرة البَهْزِي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرجل " إنك تموت بالربوة " فمات بالرملة، وهذا حديث غريب جداً. وأقرب الأقوال في ذلك ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله { وَءَاوَيْنَـٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } قال المعين الماء الجاري، وهوالنهر الذي قال الله تعالىقَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } مريم 24 وكذا قال الضحاك وقتادة { إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } وهو بيت المقدس، فهذا ــــ والله أعلم ــــ هو الأظهر لأنه المذكور في الآية الأخرى والقرآن يفسر بعضه بعضاً، وهذا أولى ما يفسر به، ثم الأحاديث الصحيحة، ثم الآثار.