يقول تعالى مخبراً عن ابتداء خلق الإنسان من سلالة من طين، وهو آدم عليه السلام، خلقه الله من صلصال من حمإمسنون. وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن أبي يحيى عن ابن عباس { مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ } قال من صفوة الماء. وقال مجاهد من سلالة، أي من مني آدم. وقال ابن جرير إنما سمي آدم طيناً لأنه مخلوق منه. وقال قتادة استل آدم من الطين، وهذا أظهر في المعنى، وأقرب إلى السياق، فإن آدم عليه السلام خلق من طين لازب، وهو الصلصال من الحمإالمسنون، وذلك مخلوق من التراب كما قال تعالى{ وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } الروم 20. وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عوف، حدثنا قَسَامَة بن زهير عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك " وقد رواه أبو داود والترمذي من طرق عن عوف الأعرابي به نحوه. وقال الترمذي حسن صحيح { ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً } هذا الضمير عائد على جنس الإنسان كما قال في الآية الأخرى{ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَـٰنِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن مَّآءٍ مَّهِينٍ } السجدة 7 ــــ 8 أي ضعيف، كما قال{ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَـٰهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } المرسلات 20 ــــ 21 يعني الرحم معد لذلك مهيأ له{ إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَـٰدِرُونَ } المرسلات 22 ــــ 23 أي مدة معلومة، وأجل معين، حتى استحكم وتنقل من حال إلى حال وصفة إلى صفة، ولهذا قال ههنا { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } أي ثم صيرنا النطفة، وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل، وهو ظهره، وترائب المرأة، وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى السرة، فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة، قال عكرمة وهي دم، { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } وهي قطعة كالبضعة من اللحم، لا شكل فيها ولا تخطيط { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَـٰماً } يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها. وقرأ آخرون { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عظـماً } قال ابن عباس وهو عظم الصلب، وفي الصحيح من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق، ومنه يركب " { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً } أي وجعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه { ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءَاخَرَ } أي ثم نفخنا فيه الروح، فتحرك وصار خلقاً آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ }.