الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه السجدة الثانية من سورة الحج هل هي مشروع السجود فيها، أم لا؟ على قولين، وقد قدمنا عند الأولى حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم " فضلت سورة الحج بسجدتين، فمن لم يسجدهما، فلا يقرأهما " وقوله { وَجَـٰهِدُوا فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَـٰدِهِ } أي بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم، كما قال تعالىٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } آل عمران 102. وقوله { هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ } أي يا هذه الأمة الله اصطفاكم واختاركم على سائر الأمم، وفضلكم وشرفكم وخصكم بأكرم رسول وأكمل شرع، { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعاً، وفي السفر تقصر إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة، كما ورد به الحديث، وتصلى رجالاً وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط لعذر المرض، فيصليها المريض جالساً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات، ولهذا قال عليه السلام " بعثت بالحنيفية السمحة " وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن " بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا " ، والأحاديث في هذا كثيرة، ولهذا قال ابن عباس في قوله { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } يعني من ضيق. وقوله { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ } قال ابن جرير نصب على تقدير { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي من ضيق، بل وسعه عليكم كملة أبيكم إبراهيم، قال ويحتمل أنه منصوب على تقدير الزموا ملة أبيكم إبراهيم. قلت وهذا المعنى في هذه الآية كقولهقُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } الأنعام 161 الآية، وقوله { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَـٰذَا } قال الإمام عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } قال الله عز وجل، وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان وقتادة. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } يعني إبراهيم، وذلك لقولهرَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } البقرة 128 قال ابن جرير وهذا لا وجه له لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين، وقد قال الله تعالى { هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَـٰذَا } قال مجاهد الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة، وفي الذكر، { وَفِى هَـٰذَا } يعني القرآن، وكذا قال غيره.

السابقالتالي
2