الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ }

وهذا أيضاً من الدلالة على قدرته وعظيم سلطانه، فإنه يرسل الرياح فتثير سحاباً، فيمطر على الأرض الجرز التي لا نبات فيها، وهي هامدة يابسة سوادء ممحلة،فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } الحج 5. وقوله { فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } الفاء ههنا للتعقيب، وتعقيب كل شيء بحسبه، كما قال تعالىثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } المؤمنون 14 الآية، وقد ثبت في " الصحيحين " أن بين كل شيئين أربعين يوماً، ومع هذا هو معقب بالفاء، وهكذا ههنا قال { فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } أي خضراء بعد يباسها ومحولها. وقد ذكر عن بعض أهل الحجاز أنها تصبح عقب المطر خضراء، فالله أعلم. وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب، وإن صغر، ولا يخفى عليه خافية، فيوصل إلى كل منه قسطه من الماء، فينبته به، كما قال لقمانيٰبُنَىَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ أَوْ فِى ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } لقمان 16 وقالأَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِى يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } النحل 25 وقال تعالىوَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } الأنعام 59 وقالوَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } يونس 61 ولهذا قال أمية بن أبي الصلت أو زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته
وقَولا لهُ مَنْ ينبتُ الحَبَّ في الثَّرى؟ فيصبح منه البَقْل يهتزُّ رابيا ويُخْرِجُ منهُ حَبَّه في رؤوسه ففي ذاك آياتٌ لمنْ كانَ واعِيا   
وقوله { لَّهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } أي ملكه جميع الأشياء، وهو غني عما سواه، وكل شيء فقير إليه، عبد لديه، وقوله { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ } أي من حيوان وجماد وزروع وثمار كما قالوَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } الجاثية 13 أي من إحسانه وفضله وامتنانه { وَٱلْفُلْكَ تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } أي بتسخيره وتسييره، أي في البحر العجاج وتلاطم الأمواج تجري الفلك بأهلها بريح طيبة ورفق وتؤدة، فيحملون فيها ما شاؤوا من تجائر وبضائع ومنافع من بلد إلى بلد، وقطر إلى قطر، ويأتون بما عند أولئك إلى هؤلاء، كما ذهبوا بما عند هؤلاء إلى أولئك مما يحتاجون إليه ويطلبونه ويريدونه { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض، فهلك من فيها، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ولهذا قال { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي مع ظلمهم، كما قال في الآية الأخرى

السابقالتالي
2