الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }

قال العوفي عن ابن عباس نزلت في محمد وأصحابه حين أخرجوا من مكة. وقال مجاهد والضحاك، وغير واحد من السلف كابن عباس ومجاهد وعروة بن الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة وغيرهم هذه أول آية نزلت في الجهاد، واستدل بهذه الآية بعضهم على أن السورة مدنية. وقال ابن جرير حدثني يحيى بن داود الواسطي، حدثنا إسحاق بن يوسف عن سفيان عن الأعمش عن مسلم، هو البطين، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكن. قال ابن عباس فأنزل الله عز وجل { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه فعرفت أنه سيكون قتال. وقال الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف الأزرق به، وزاد قال ابن عباس وهي أول آية نزلت في القتال. ورواه الترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما، وابن أبي حاتم من حديث إسحاق بن يوسف، زاد الترمذي ووكيع كلاهما عن سفيان الثوري به. وقال الترمذي حديث حسن، وقد رواه غير واحد عن الثوري، وليس فيه ابن عباس. وقوله { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، كما قالفَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } محمد 4 ــــ 6 وقال تعالىقَـٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التوبة 14 ــــ 15 وقالأَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } التوبة 16 وقالأَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } آل عمران 142 وقالوَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبَـٰرَكُمْ } محمد 31 والآيات في هذا كثيرة. ولهذا قال ابن عباس في قوله { وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } وقد فعل، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به لأنهم لما كانوا بمكة، كان المشركون أكثر عدداً، فلو أمر المسلمين وهم أقل من العشر بقتال الباقين، لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيفاً وثمانين، قالوا يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي، يعنون أهل منى، ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3