الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ }

يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل. وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } قال عيداً. وقال عكرمة ذبحاً. وقال زيد بن أسلم في قوله { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } أنها مكة، لم يجعل الله لأمة قط منسكاً غيرها. وقوله { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَـٰمِ } كما ثبت في " الصحيحين " عن أنس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، فسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما. وقال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا سلام بن مسكين عن عائذ الله المجاشعي عن أبي داود ــــ وهو نفيع بن الحارث ــــ عن زيد بن أرقم قال قلت، أو قالوا يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال " سنة أبيكم إبراهيم " قالوا ما لنا منها؟ قال " بكل شعرة حسنة " قال فالصوف؟ قال " بكل شعرة من الصوف حسنة " وأخرجه الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه من حديث سلام بن مسكين به. وقوله { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَٰحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي معبودكم واحد، وإن تنوعت شرائع الأنبياء ونسخ بعضها بعضاً، فالجميع يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك لهوَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِىۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } الأنبياء 25 ولهذا قال { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } أي أخلصوا، واستسلموا لحكمه وطاعته، { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } قال مجاهد المطمئنين. وقال الضحاك وقتادة المتواضعين. وقال السدي الوجلين. وقال عمرو بن أوس المخبتين الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا. وقال الثوري { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } قال المطمئنين الراضين بقضاء الله، المستسلمين له، وأحسن بما يفسر بما بعده وهو قوله { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي خافت منه قلوبهم { وَٱلصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ } أي من المصائب. قال الحسن البصري والله لنصبرن أو لنهلكن، { وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ } قرأ الجمهور بالإضافة السبعة وبقية العشرة أيضاً، وقرأ ابن السميفع { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ } بالنصب. وعن الحسن البصري { وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ } وإنما حذفت النون ههنا تخفيفاً، ولو حذفت للإضافة لوجب خفض الصلاة، ولكن على سبيل التخفيف، فنصبت، أي المؤدين حق الله فيما أوجب عليهم من أداء فرائضه، { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } أي وينفقون مما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأرقائهم وفقرائهم ومحاويجهم، ويحسنون إلى الخلق مع محافظتهم على حدود الله، وهذه بخلاف صفات المنافقين، فإنهم بالعكس من هذا كله كما تقدم تفسيره في سورة براءة.