الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

قال مجاهد وقتادة وغيرهما { عَلَىٰ حَرْفٍ } على شك، وقال غيرهم على طرف، ومنه حرف الجبل، أي طرفه، أي دخل في الدين على طرف، فإن وجد ما يحبه استقر، وإلا انشمر. وقال البخاري حدثنا إبراهيم بن الحارث، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } قال كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً، ونتجت خيله، قال هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته، ولم تنتج خيله، قال هذا دين سوء، وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، قالوا إن ديننا هذا لصالح، فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله على نبيه { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ } الآية. وقال العوفي عن ابن عباس كان أحدهم إذا قدم المدينة، وهي أرض وبيئة، فإن صح بها جسمه، ونتجت فرسه مهراً حسناً، وولدت امرأته غلاماً، رضي به، واطمأن إليه، وقال ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً، { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } والفتنة البلاء، أي وإن أصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وتأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً، وذلك الفتنة، وهكذا ذكر قتادة والضحاك وابن جريج وغير واحد من السلف في تفسير هذه الآية. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو المنافق، إن صلحت له دنياه، أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه، وتغيرت، انقلب، فلا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه، فإن أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق، ترك دينه ورجع إلى الكفر. وقال مجاهد في قوله { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي ارتد كافراً. وقوله { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } أي فلا هو حصل من الدنيا على شيء، وأما الآخرة فقد كفر بالله العظيم، فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة، ولهذا قال تعالى { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَٰنُ ٱلْمُبِينُ } أي هذه هي الخسارة العظيمة والصفقة الخاسرة. وقوله { يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } أي من الأصنام والأنداد، يستغيث بها، ويستنصرها ويسترزقها، وهي لا تنفعه ولا تضره { ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ }. وقوله { يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } أي ضرره في الدنيا قبل الآخرة أقرب من نفعه فيها، وأما في الآخرة، فضرره محقق متيقن. وقوله { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } قال مجاهد يعني الوثن، يعني بئس هذا الذي دعاه من دون الله مولى، يعني ولياً وناصراً، { وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } وهو المخالط والمعاشر، واختار ابن جرير أن المراد لبئس ابن العم والصاحب { مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ }. وقول مجاهد إن المراد به الوثن، أولى وأقرب إلى سياق الكلام، والله أعلم.