الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ }

يذكر تعالى عن أيوب عليه السلام، ما كان أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير، وأولاد ومنازل مرضية، فابتلي في ذلك كله، وذهب عن آخره، ثم ابتلي في جسده، يقال بالجذام في سائر بدنه، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما الله عز وجل، حتى عافه الجليس، وأفرد في ناحية من البلد، ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه سوى زوجته كانت تقوم بأمره، ويقال إنها احتاجت، فصارت تخدم الناس من أجله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل " وفي الحديث الآخر " يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة، زيد في بلائه " وقد كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر. وبه يضرب المثل في ذلك. وقال يزيد بن ميسرة لما ابتلى الله أيوب عليه السلام بذهاب الأهل والمال والولد، ولم يبق شيء له، أحسن الذكر، ثم قال أحمدك رب الأرباب، الذي أحسنت إليّ، أعطيتني المال والولد، فلم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخله ذلك، فأخذت ذلك كله مني، وفرغت قلبي، فليس يحول بيني وبينك شيء، ولو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت، حسدني. قال فلقي إبليس من ذلك منكراً. قال وقال أيوب عليه السلام يا رب إنك أعطيتني المال والولد، فلم يقم على بابي أحد يشكوني لظلم ظلمته، وأنت تعلم ذلك، وأنه كان يوطأ لي الفراش فأتركها، وأقول لنفسي يا نفس إنك لم تخلقي لوطء الفراش، ما تركت ذلك إلا ابتغاء وجهك. رواه ابن أبي حاتم. وقد روي عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة، ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين، وفيها غرابة تركناها لحال الطول، وقد روي أنه مكث في البلاء مدة طويلة، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء، فقال الحسن وقتادة ابتلي أيوب عليه السلام سبع سنين وأشهراً، ملقى على كناسة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده، ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن عليه الثناء. وقال وهب بن منبه مكث في البلاء ثلاث سنين، لا يزيد ولا ينقص. وقال السدي تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام، فكانت امرأته تقوم عليه، وتأتيه بالرماد يكون فيه، فقالت له امرأته لما طال وجعه يا أيوب لو دعوت ربك يفرج عنك، فقال قد عشت سبعين سنة صحيحاً، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة، فجزعت من ذلك، فخرجت، فكانت تعمل للناس بالأجر، وتأتيه بما تصيب فتطعمه، وإن إبليس انطلق إلى رجلين من أهل فلسطين، كانا صديقين له وأخوين، فأتاهما فقال أخوكما أيوب أصابه من البلاء كذا وكذا، فأتياه وزوراه، واحملا معكما من خمر أرضكما، فإنه إن شرب منه برىء، فأتياه، فلما نظرا إليه، بكيا، فقال من أنتما؟ فقالا نحن فلان وفلان، فرحب بهما، وقال مرحباً بمن لا يجفوني عند البلاء، فقالا يا أيوب لعلك كنت تسر شيئاً وتظهر غيره، فلذلك ابتلاك الله؟ فرفع رأسه إلى السماء فقال هو يعلم، ما أسررت شيئاً أظهرت غيره، ولكن ربي ابتلاني لينظر أصبر أم أجزع؟ فقالا له يا أيوب اشرب من خمرنا، فإنك إن شربت منه، برأت.

السابقالتالي
2 3 4