هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها، وأن الناس في غفلة عنها، أي لا يعملون لها، ولا يستعدون من أجلها. وقال النسائي حدثنا أحمد بن نصر، حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم { فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } قال " في الدنيا " وقال تعالى{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } النحل 1 وقال{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ } القمر 1 - 2 الآية، وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانىء أبي نواس الشاعر أنه قال أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول
النَّاسُ في غَفَلاتِهِمْ وَرَحَى المَنِيَّةِ تَطْحَنُ
فقيل له من أين أخذ هذا؟ قال من قول الله تعالى { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } وروى في ترجمة عامر بن ربيعة من طريق موسى بن عبيد الآمدي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب، فأكرم عامر مثواه، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وادياً في العرب، وقد أردت أن اقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، فقال عامر لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ }. ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار، فقال { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } أي جديد إنزاله، { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } كما قال ابن عباس ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم، وقد حرفوه وبدلوه، وزادوا فيه ونقصوا منه، وكتابكم أحدث الكتب بالله، تقرؤونه محضاً لم يشب؟ رواه البخاري بنحوه. وقوله { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي قائلين فيما بينهم خفية { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبياً لأنه بشر مثلهم، فكيف اختص بالوحي دونهم، ولهذا قال { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } أي أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر، وهو يعلم أنه سحر، فقال تعالى مجيباً لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب { قَالَ رَبِّى يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية، وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين، الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، إلا الذي يعلم السر في السموات والأرض. وقوله { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي السميع لأقوالكم، والعليم بأحوالكم، وفي هذا تهديد لهم ووعيد.