يقول تعالى منبهاً على شرف القرآن، ومحرضاً لهم على معرفة قدره { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } قال ابن عباس شرفكم. وقال مجاهد حديثكم. وقال الحسن دينكم، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أي هذه النعمة، وتتلقونها بالقبول؟ كما قال تعالى{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـأَلُونَ } الزخرف 44. وقوله { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَـٰلِمَةً } هذه صيغة تكثير، كما قال{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } الإسراء 17 وقال تعالى{ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } الحج 45 الآية. وقوله { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ } أي أمة أخرى بعدهم { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ } أي تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كما وعدهم نبيهم، { إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } أي يفرون هاربين، { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَـٰكِنِكُمْ } هذا تهكم بهم قدراً، أي قيل لهم قدراً لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور والمعيشة والمساكن الطيبة. قال قتادة استهزاء بهم، { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي عما كنتم فيه من أداء شكر النعم، { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك، { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَـٰهُمْ حَصِيداً خَـٰمِدِينَ } أي ما زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف بالظلم، هجيراهم حتى حصدناهم حصداً، وخمدت حركاتهم وأصواتهم خموداً.