الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } * { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }

يقول تعالى مخبراً عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والآخرة، ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة كقوله تعالىإِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } الأعراف 128 وقالإِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ } غافر 51 وقالوَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ } النور 55 وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية، وهو كائن لامحالة، ولهذا قال تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ }. قال الأعمش سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ } فقال الزبور التوراة، والإنجيل، والقرآن. وقال مجاهد الزبور الكتاب، وقال ابن عباس والشعبي والحسن وقتادة وغير واحد الزبور الذي أنزل على داود، والذكر التوراة. وعن ابن عباس الزبور القرآن، وقال سعيد بن جبير الذكر الذي في السماء. وقال مجاهد الزبور الكتب بعد الذكر، والذكر أم الكتاب عند الله، واختار ذلك ابن جرير رحمه الله، وكذا قال زيد بن أسلم هو الكتاب الأول، وقال الثوري هو اللوح المحفوظ. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء، والذكر أمّ الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السموات والأرض أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون. وقال مجاهد عن ابن عباس { أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ } قال أرض الجنة، وكذا قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والسدي وأبو صالح والربيع بن أنس والثوري رحمهم الله تعالى، وقال أبو الدرداء نحن الصالحون. وقال السدي هم المؤمنون، وقوله { إِنَّ فِى هَـٰذَا لَبَلَـٰغاً لِّقَوْمٍ عَـٰبِدِينَ } أي إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغاً لمنفعة وكفايةً لقوم عابدين، وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه، وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان، وشهوات أنفسهم. وقوله { وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ } يخبر تعالى أن الله جعل محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي أرسله رحمة لهم كلهم، فمن قبل هذه الرحمة، وشكر هذه النعمة، سعد في الدنيا والآخرة، ومن ردها وجحدها، خسر في الدنيا والآخرة، كما قال تعالىأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } إبراهيم 28 ــــ 29 وقال تعالى في صفة القرآنقُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }

السابقالتالي
2 3