الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } * { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }

لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعونفَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَـٰطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأعراف 138 -139 وواعده ربه ثلاثين ليلة، ثم أتبعها له عشراً، فتمت أربعين ليلة، أي يصومها ليلاً ونهاراً، وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك، فسارع موسى عليه السلام مبادراً إلى الطور، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون، ولهذا قال تعالى { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } أي قادمون ينزلون قريباً من الطور، { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } أي لتزداد عني رضا { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ } أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري. وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه هارون أيضاً، وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالىوَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَىْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } الأعراف 145 أي عاقبة الخارجين عن طاعتي، المخالفين لأمري. وقوله { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفاً } أي بعدما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم، وفيها شرف لهم، وهم قوم قد عبدوا غير الله، ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه، وسخافة عقولهم وأذهانهم، ولهذا قال رجع إليهم غضبان أسفاً، والأسف شدة الغضب. وقال مجاهد غضبان أسفاً، أي جزعاً، وقال قتادة والسدي أسفاً حزيناً على ما صنع قومه من بعده { قَالَ يَٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة، كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم، وإظهاركم عليه، وغير ذلك من أيادي الله { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } أي في انتظار ما وعدكم الله، ونسيان ما سلف من نعمه، وما بالعهد من قدم، { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أم ههنا بمعنى بل، وهي للإضراب عن الكلام الأول، وعدول إلى الثاني، كأنه يقول بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم، فأخلفتم موعدي، قالوا، أي بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم موسى وقرعهم { مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } أي عن قدرتنا واختيارنا، ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد، يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر، فقذفناها، أي ألقيناها عنا.

السابقالتالي
2