الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } * { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } * { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ }

يقول تعالى مخبراً عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم، وغلب كل الغلب، شرع في المكابرة والبهت، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة، فتهددهم وتوعدهم وقال { ءَامَنتُمْ لَهُ } أي صدقتموه { قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ } أي ما أمرتكم بذلك، وافتتم علي في ذلك، وقال قولاً يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بهت وكذب { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى، واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي لتظهروه كما قال تعالى في الآية الأخرىإِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } الأعراف 123، ثم أخذ يتهددهم فقال { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } أي لأجعلنكم مثلة، ولأقتلنكم ولأشهرنكم، قال ابن عباس فكان أول من فعل ذلك، رواه ابن أبي حاتم. وقوله { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } أي أنتم تقولون إني وقومي على ضلالة، وأنتم مع موسى وقومه على الهدى، فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه، فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم، هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل و { قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ } أي لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين، { وَٱلَّذِى فَطَرَنَا } يحتمل أن يكون قسماً، ويحتمل أن يكون معطوفاً على البينات، يعنون لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم، المبتدي خلقنا من الطين، فهو المستحق للعبادة والخضوع، لا أنت، { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } أي فافعل ما شئت، وما وصلت إليه يدك، { إِنَّمَا تَقْضِى هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَآ } أي إنما لك تسلط في هذه الدار، وهي دار الزوال، ونحن قد رغبنا في دار القرار { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـٰيَـٰنَا } أي ما كان منا من الآثام خصوصاً ما أكرهتنا عليه من السحر لتعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } قال أخذ فرعون أربعين غلاماً من بني إسرائيل، فأمر أن يعلموا السحر بالفَرَمَا، وقال علموهم تعليماً لا يعلمه أحد في الأرض، قال ابن عباس فهم من الذين آمنوا بموسى، وهم من الذين قالوا { آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـٰيَـٰنَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقوله { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } أي خير لنا منك { وَأَبْقَىٰ } أي أدوم ثواباً مما كنت وعدتنا ومنيتنا، وهو رواية عن ابن إسحاق رحمه الله. وقال محمد بن كعب القرظي { وَٱللَّهُ خَيْرُ } أي لنا منك، إن أطيع { وَأَبْقَىٰ } أي منك عذاباً إن عصي، وروي نحوه عن ابن إسحاق أيضاً. والظاهر أن فرعون - لعنه الله - صمم على ذلك، وفعله بهم رحمة لهم من الله، ولهذا قال ابن عباس وغيره من السلف أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.