هذا من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه عز وجل حين سأله فرعون عنه، فقال { ٱلَّذِىۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } ثم اعترض الكلام بين ذلك، ثم قال { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } وفي قراءة بعضهم " مهداً " أي قراراً تستقرون عليها، وتقومون وتنامون عليها، وتسافرون على ظهرها { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي جعل لكم طرقاً تمشون في مناكبها كما قال تعالى{ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } الأنبياء 31 { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَـٰتٍ شَتَّىٰ } أي من أنواع النباتات من زروع وثمار، ومن حامض وحلو ومر، وسائر الأنواع { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَـٰمَكُمْ } أي شيء لطعامكم وفاكهتكم، وشيء لأنعامكم لأقواتها خضراً ويبساً { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ } أي لدلالات وحججاً وبراهين { لأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ } أي لذوي العقول السليمة المستقيمة، على أنه لا إله إلا الله، ولا رب سواه { مِنْهَا خَلَقْنَـٰكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } أي من الأرض مبدؤكم، فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض، وفيها نعيدكم، أي وإليها تصيرون إذا متم وبليتم، ومنها نخرجكم تارة أخرى{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } الإسراء 52 وهذه الآية كقوله تعالى{ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } الأعراف 25 وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر جنازة، فلما دفن الميت، أخذ قبضة من التراب، فألقاها في القبر وقال " منها خلقناكم " ثم أخذ أخرى، وقال " وفيها نعيدكم " ثم أخرى، وقال " ومنها نخرجكم تارة أخرى " وقوله { وَلَقَدْ أَرَيْنَـٰهُ ءَايَـٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } يعني فرعون أنه قامت عليه الحجج والآيات والدلالات، وعاين ذلك وأبصره، فكذب بها وأباها كفراً وعناداً وبغياً، كما قال تعالى{ وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } النمل 14 الآية.