الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } * { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } * { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ }

يقول تعالى لآدم وحواء وإبليس اهبطوا منها جميعاً، أي من الجنة كلكم، وقد بسطنا ذلك في سورة البقرةبَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } البقرة 36 قال آدم وذريته، وإبليس وذريته. وقوله { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى } قال أبو العالية الأنبياء والرسل والبيان { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } قال ابن عباس لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى } أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أي ضنكاً في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال الشقاء. وقال العوفي عن ابن عباس { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال كل ما أعطيته عبداً من عبادي، قل أو كثر، لا يتقيني فيه، فلا خير فيه، وهو الضنك في المعيشة، وقال أيضاً إن قوماً ضلالاً أعرضوا عن الحق، وكانوا في سعة من الدنيا متكبرين، فكانت معيشتهم ضنكاً، وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخلفاً لهم معايشهم من سوء ظنهم بالله والتكذيب، فإذا كان العبد يكذب بالله، ويسيء الظن به، والثقة به، اشتدت عليه معيشته، فذلك الضنك. وقال الضحاك هو العمل السيىء والرزق الخبيث، وكذا قال عكرمة ومالك بن دينار. وقال سفيان بن عيينة عن أبي حازم عن أبي سلمة عن أبي سعيد في قوله { مَعِيشَةً ضَنكاً } قال يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيه، وقال أبو حاتم الرازي النعمان بن أبي عياش يكنى أبا سلمة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، أنبأنا الوليد، أنبأنا عبد الله بن لهيعة، عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } قال ضمة القبر له، والموقوف أصح. وقال ابن أبي حاتم أيضاً حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج أبو السمح عن ابن حجيرة، واسمه عبد الرحمن، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المؤمن في قبره في روضة خضراء، ويفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } ، أتدرون ما المعيشة الضنك؟ "

السابقالتالي
2