الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } * { فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }

يقول تعالى ولما كان يوم المعاد والجزاء بالخير والشر واقعاً لا محالة، أنزلنا القرآن بشيراً ونذيراً بلسان عربي مبين فصيح، لا لبس فيه ولا عي، { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي يتركون المآثم والمحارم والفواحش، { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } وهو إيجاد الطاعة وفعل القربات { فَتَعَـٰلَىٰ ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ } أي تنزه وتقدس الملك الحق الذي هو حق، ووعده حق، ووعيده حق، ورسله حق، والجنة حق، والنار حق، وكل شيء منه حق، وعدله تعالى أن لا يعذب أحداً قبل الإنذار وبعثة الرسل، والإعذار إلى خلقه لئلا يبقى لأحد حجة ولا شبهة. وقوله { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } ، كقوله تعالى في سورة لا أقسم بيوم القيامةلاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } القيامة 16 - 19 وثبت في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج من الوحي شدة، فكان مما يحرك به لسانه، فأنزل الله هذه الآية، يعني أنه عليه السلام كان إذا جاءه جبريل بالوحي، كلما قال جبريل آية، قالها معه، من شدة حرصه على حفظ القرآن، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه لئلا يشق عليه، فقال { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ } أي أن نجمعه في صدرك، ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئاً { فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } وقال في هذه الآية { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } أي بل أنصت، فإذا فرغ الملك من قراءته عليك، فاقرأه بعده { وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً } أي زدني منك علماً، قال ابن عيينة رحمه الله ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتى توفاه الله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث إن الله تابع الوحي على رسوله، حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً، والحمد لله على كل حال " وأخرجه الترمذي عن أبي كريب، عن عبد الله بن نمير، به. وقال غريب من هذا الوجه، ورواه البزار عن عمرو بن علي الفلاس، عن أبي عاصم، عن موسى بن عبيدة به، وزاد في آخره " وأعوذ بالله من حال أهل النار ".