الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

يقول تعالى اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، أي خلصتكم منهم، وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى عليه السلام، وقد كانوا يسومونكم، أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب، وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته، رأى ناراً خرجت من بيت المقدس، فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر، إلا بيوت بني إسرائيل، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل، ويقال بعد تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة، وهكذا جاء في حديث الفتون كما سيأتي في موضعه في سورة طه إن شاء الله تعالى، فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل، وأن تترك البنات، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها، ههنا فسر العذاب بذبح الأبناء، وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قاليَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } إبراهيم 6 وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى، وبه الثقة والمعونة والتأييد. ومعنى يسومونكم يولونكم، قاله أبو عبيدة، كما يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها، قال عمرو بن كلثوم
إذا ما المَلْكُ سامَ النَّاسَ خَسْفاً أَبَيْنا أَنْ نُقِرَّ الخَسْفَ فِيْنا   
وقيل معناه يديمون عذابكم، كما يقال سائمة الغنم، من إدامتها الرعي، نقله القرطبي، وإنما قال ههنا { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } ليكون ذلك تفسيراً للنعمة عليهم في قوله { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } ثم فسره بهذا لقوله ههناٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِىۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } البقرة 40 وأما في سورة إبراهيم، فلما قالوَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } إبراهيم 5 أي بأياديه ونعمه عليهم، فناسب أن يقول هناكيَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } إبراهيم 6 فعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي على بني إسرائيل. وفرعون علم على كل من ملك مصر كافراً، من العماليق وغيرهم، كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافراً، وكسرى لمن ملك الفرس، وتبع لمن ملك اليمن كافراً، والنجاشي لمن ملك الحبشة، وبطليموس لمن ملك الهند، ويقال كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام الوليد بن مصعب بن الريان، وقيل مصعب بن الريان، فكان من سلالة عمليق بن الأود بن إرم بن سام بن نوح، وكنيته أبو مرة، وأصله فارسي من إصطخر، وأيّاً ما كان، فعليه لعنة الله. وقوله تعالى { وَفِى ذَٰلِكُمْ بَلاَۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال ابن جرير وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آباءكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم، أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى { بَلاَۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال نعمة، وقال مجاهد { بَلاَۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال نعمة من ربكم عظيمة، وكذا قال أبو العالية وأبو مالك والسدي وغيرهم.

السابقالتالي
2 3