الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

لما ذكرهم تعالى بنعمه أولاً، عطف على ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة، فقال { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا } يعني يوم القيامة { لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } أي لا يغني أحد عن أحد، كما قالوَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } الأنعام 164 وقاللِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } عبس 37 وقاليٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } لقمان 33 فهذا أبلغ المقامات أن كلاً من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئاً، وقوله تعالى { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَـٰعَةٌ } يعني من الكافرين كما قالفَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } المدثر 48 وكما قال عن أهل النارفَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } الشعراء 100 - 101 وقوله تعالى { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي لا يقبل منها فداء، كما قال تعالىإِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } آل عمران 91 وقالإِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } المائدة 36 وقال تعالىوَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ } الأنعام 70 وقالفَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِىَ مَوْلَـٰكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } الحديد 15 الآية. فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به، ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه، فإنه لا ينفعهم قرابة قريب، ولا شفاعة ذي جاه، ولا يقبل منهم فداء، ولو بملء الأرض ذهباً، كما قال تعالىمِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَـٰعَةٌ } البقرة 254 وقاللاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلَـٰلٌ } إبراهيم 31 قال سنيد حدثني حجاج حدثني ابن جريج قال قال مجاهد قال ابن عباس { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } قال بدل، والبدل الفدية، وقال السدي أما عدل فيعدلها من العدل، يقول لو جاءت بملء الأرض ذهباً تفتدى به، ما تقبل منها، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قولهوَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ } البقرة 123 يعني فداء، قال ابن أبي حاتم وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك، وقال عبد الرزاق أنبأنا الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه في حديث طويل، قال والصرف والعدل التطوع والفريضة، وكذا قال الوليد ابن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة عن عمير بن هانىء، وهذا القول غريب ههنا، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية، وقد ورد حديث يقويه، وهو ما قال ابن جرير حدثني نجيح بن إبراهيم حدثنا علي ابن حكيم حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام، أحسن عليه الثناء، قال قيل يارسول الله ما العدل؟ قال

السابقالتالي
2