الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة، وهي سنتان، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك، ولهذا قال { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرم. قال الترمذي باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام " هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين، فإنه لا يحرم شيئاً، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام، وهي امرأة هشام بن عروة. قلت تفرد الترمذي برواية هذا الحديث، ورجاله على شرط الصحيحين، ومعنى قوله " إلا ما كان في الثدي " أي في محال الرضاعة قبل الحولين، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن وكيع، وغندر عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب، قال لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن ابني مات في الثدي، إن له مرضعاً في الجنة " ، وهكذا أخرجه البخاري من حديث شعبة، وإنما قال عليه السلام ذلك لأن ابنه إبراهيم عليه السلام، مات وله سنة وعشرة أشهر، فقال إن له مرضعاً، يعني تكمل رضاعه، ويؤيده ما رواه الدارقطني من طريق الهيثم بن جميل عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين " ثم قال ولم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ. قلت وقد رواه الإمام مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد، عن ابن عباس مرفوعاً، ورواه الدراوردي عن ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس، وزاد " وما كان بعد الحولين فليس بشيء " وهذا أصح. وقال أبو داود الطيالسي، عن جابر، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد احتلام " وتمام الدلالة من هذا الحديث في قوله تعالىوَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي } لقمان 14، وقالوَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا } الأحقاف 15 والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين، يروى عن علي وابن عباس وابن مسعود وجابر وأبي هريرة وابن عمر وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعطاء والجمهور، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبي يوسف ومحمد ومالك في رواية، وعنه أن مدته سنتان وشهران، وفي رواية وثلاثة أشهر.

السابقالتالي
2 3