الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

قال العوفي عن ابن عباس قوله تعالى { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ } يقول لا يقضون فيه وطراً، يأتونه، ثم يرجعون إِلى أهليهم، ثم يعودون إِليه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثابة للناس، يقول يثوبون، رواهما ابن جرير. وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبي أخبرنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا إِسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس، في قوله تعالى { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ } قال يثوبون إِليه، ثم يرجعون، قال وروي عن أبي العالية وسعيد بن جبير، في رواية، وعطاء ومجاهد والحسن وعطية والربيع بن أنس والضحاك نحو ذلك، وقال ابن جرير حدثني عبد الكريم بن أبي عمير حدثني الوليد بن مسلم، قال قال أبو عمرو، يعني الأوزاعي حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله تعالى { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ } قال لا ينصرف عنه منصرف، وهو يرى أنه قد قضى منه وطراً، وحدثني يونس عن ابن وهب قال قال ابن زيد { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ } قال يثوبون إِليه من البلدان كلها، ويأتونه، وما أحسن ما قاله الشاعر في هذا المعنى أورده القرطبي
جعلَ البيتَ مَثاباً لهم ليسَ منهُ الدَّهْرَ يقضونَ الوَطَر   
وقال سعيد بن جبير في الرواية الأخرى، وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني { مَثَابَةً لِّلنَّاسِ } أي مجمعاً { وَأَمْناً } قال الضحاك عن ابن عباس أي أمناً للناس. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } يقول وأمناً من العدو، وأن يُحمل فيه السلاح، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم، وهم آمنون لا يسبون، وروي عن مجاهد وعطاء والسدي وقتادة والربيع بن أنس قالوا من دخله كان آمناً. ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية أن الله تعالى يذكر شرف البيت، وما جعله موصوفاً به شرعاً وقدراً، من كونه مثابة للناس، أي جعله محلاً تشتاق إِليه الأرواح، وتحن إِليه، ولا تقضي منه وطراً، ولو ترددت إِليه كل عام استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إِبراهيم عليه السلام في قوله فاجعل أفئدة من الناس تهوي إِليهم، إِلى أن قالرَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ } إبراهيم 40 ويصفه تعالى بأنه جعله آمناً، من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله، كان آمناً، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه، فلا يعرض له، كما وصف في سورة المائدة في قوله تعالىجَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ } المائدة 97 أي يدفع عنهم بسبب تعظيمها السوء، كما قال ابن عباس لو لم يحج الناس هذا البيت، لأطبق الله السماء على الأرض، وما هذا الشرف إِلا لشرف بانيه أولاً، وهو خليل الرحمن، كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد